ظاهرة الاسراف - الشيخ سلطان الدغيلبي


ظاهرة الإسراف

الشيخ سلطان الدغيلبي

تزدان البيوت بمظاهر الفرحة التي يأتي بها الشهر الفضيل ، وهذا حقا على كل مسلم أن يبتهج و يتهلل وجه بأيام رمضان وما يحمل في جعبته من مضاعفة الأجور والخيرات . و مظاهر السعد والابتهاج يختلف من شخص لآخر

 ولكن ما يؤسف حقا مظهر تحتقن العين برؤيته ويتألم القلب لفعله ، انكباب الناس إلى الأسواق لشراء ما طاب ولذ من الطعام والشراب ، وتواصلهم على مدار الأيام من غير توقف ، وامتلاء الموائد لينتهي بها الحال إلى أكياس الزبائل والقمامات ، وهذا التخزين والتكديس قائمان طوال شهر رمضان ، ناسين أو متناسين أنه شهر العبادة بالصوم من غير إسراف أو مغالاة .

ظاهرة اعتدنا عليها في كل رمضان ، تؤلم القلب وتتحسر الأفئدة من غير أن نشعر بمرارة وعظمة فعلها ، إنها آفة الإسراف في المجتمعات ورؤية أكوام الطعام المتبقى في أكياس الزبائل والقمامات ، وفي المقابل متناسين
 قول الله تعالى : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) .

انظر إلى هذه الصورة وانظر في المقابل إلى أناس من هايبي يطحنون الصخر والصدف ثم يعجنونها بالماء ويتركونها تجف في الشمس ليأكلوها بعد ذلك !

ذكر الدكتور عبد الرحمن السميط رئيس جمعية العون المباشر وكما هو معروف عنه فقد قضى أكثر من 26 عاماً في بلاد أفريقيا ، قال:لقد رأينا الناس في أماكن المجاعات يهاجرون من قراهم إلى قرى أخرى بحثاً عن الماء أو أوراق الشجر والتي قد تكون سامة . وبينما الناس كذلك رأيت والدةً تتوقف عن المشي وتنزل طفلها وإذا بها تسقط على الأرض وتموت والطفل يمسك أمه ويناديها ، وتارة يلتفت إلى الناس حوله ولسان حاله يقول : لم لا تحمليني يا أمي ونمشي مع الناس !
وفي موقف آخر يقول الدكتور أنه في أحد الأيام استوقفته امرأة من بلاد أفريقيا ، وسألته هل أنت رجل عربي ؟، قال : نعم ، فطلبته أن يعطيها شماغه ، فقال : لماذا ؟ ، قالت : هل رأيت امرأة من أصل ........ لا تغطي رأسها ؟ لقد ماتت ابنتي البارحة فلم أجد لها كفن فكان حجابي كفن لها ، واليوم مات ابني وأريد أن أكفنه بهذا الشماغ .

يقول أيضاً بينما كنا نسير في السيارة ارتمى أحدهم أمام السيارة ، وإذا به يشير إلى فمه ، فعلمنا أنه عطشان فنزلنا وسقيناه بالماء ، وإذا به يقول : لي يومين ما شربت الماء !!، وقد كنت هاجرت إلى قرية أخرى ومعي الإبل والبقر ، فعلمت أننا سوف نهلك في الطريق وعدت وحدي وتركت الإبل من خلفي فلن تستطيع الرجوع وسوف تموت في أي لحظة ، فقلت أنجو بنفسي وها أنا بين أيديكم .
لقد خلق الله كل شيء في هذا الكون بمقدار ، وجعل في هذه الأرض ما يكفي الناس والدواب ،ولكن غل الإنسان وأنانيته هي التي سببت المجاعة في البلدان، ولو أدى كل شخص زكاة ماله دون الصدقات و حافظ على نعمة الطعام من غير غلو وإسراف ،و أكثر شكر ربه بالحمد دون النكران ، وعرف حقيقة الصيام بذكر ما يلاقيه الفقراء من العطش والجوع ،لما وجد فقير واحد يتجرع مرارة الحرمان ، بل مع الشكر تزيد النعم .

إخوتي والله إننا في نعمة لا نشعر بها ، فحافظوا عليها قبل أن تزول وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا .
وأنتي أيتها المربية ، جهزي مائدة رمضان لأفراد أسرتك ما يناسبهم ويكفيهم من الطعام ، فكل طعام يلقى في الزبائل والقمامات أنتِ مسؤولة عنها أمام الله .


مهما كتبنا من كليمات فلن نستطيع أن نشعر بهم ، ولم ولن تشعر أبداً إلا إذا ذقت مرارة الجوع أنت بنفسك . ففي كل صيام لك تذكر إخوانك الجوعى وبالمقابل امتلاء الموائد في شهر رمضان و أطنان الطعام ترمى في كل بيت . واعلم أن هناك طعام ينتظرك على المائدة ولكن هناك من يصومون ولا يعلمون متى ينتهي صيامهم !


بقلم أخوكم : سلطان الدغيلبي
يوم الخميس، بتاريخ 12/ 8 / 2011م - ، 12/ رمضان/ 1432هـ ،الساعة 11:44م
_______________________

0 التعليقات:

إرسال تعليق